السر سيد أحمد
خطوة نحو تحسين الممارسة الديموقراطية
جريدة الخرطوم 10 مارس 1999.

في السابع عشر من نوفمبر 1985 اجتمعت كل القوى السياسية السودانية ما عدا الجبهة الإسلامية القومية، ومثلين عن القوات المسلحة، ووقعوا على ميثاق الدفاع عن الديموقراطية، وذلك في مسعى لصيانة الديموقراطية الثالثة الوليدة.

أبرز ملمح ذلك الميثاق أن نظام الحكم في السودان يقوم على التعددية الحزبية وأن القوات المسلحة مؤسسة قومية يتلخص دورها في الدفاع عن الوطن والديموقراطية وحظر الميثاق على الأحزاب العمل السياسي وسط الجيش. كما حدد الأساليب التي ينبغي للقوى السياسية إتباعها لمواجهة أي انقلاب عسكري مهما كانت الشعارات التي يرفعها. ومن هذه الأساليب استخدام سلاح الإضراب السياسي والعصيان المدني وتكوين جبهة من القوى الموقعة على الميثاق لمعارضة الانقلاب الجديد، وعدم الاعتراف بأي شرعية للانقلابيين ولا بالاتفاقيات التي يوقعونها مع الدول الأخرى وتم بالفعل إيداع نسخ من هذا الميثاق لدى المنظمات الدولية والإقليمية.

وإذا كنا نحمد للقوى السياسية الإقدام على هذه الخطوة، إلا أن أحداً لم يخامره شك في أن الديموقراطية لا تتم حمايتها بالمواثيق، وإنما بالممارسة السليمة، ومن ثم الاستعداد للدفاع عنها فيما بعد.

المحك جاء عند انقلاب الإنقاذ في الثلاثين من يونيو 1989 وعمر الميثاق لم يتجاوز 43 شهراً، عندما استولى الانقلابيون على السلطة بكل سهولة ويسر، وهو ما فسره البعض بأنه صوت ثقة في النظام الديموقراطي الذي كان قائماً وقتها. ومع أن الكثيرين تعرضوا بالنقد لأداء الأحزاب وعدم استنفارها عضويتها للتصدي للانقلاب، إلا أن أمر الدفاع عن الديموقراطية لا يخص الأحزاب فقط وإنما هو عبء ينبغي أن تتحمله كل مؤسسات المجتمع المدني من نقابات ومؤسسات أهلية ناشطة في مختلف جوانب الحياة العامة. وهذه المؤسسات تحتاج إلى قدر من التجربة وبناء التقاليد كي تستطيع التأثير الفعلي. لذا يمكن اعتبار قلة تجربة منظمات المجتمع المدني من أكبر نقاط الضعف التي عاشتها وتعيشها التجارب الديموقراطية في السودان، وان جهداً حقيقياً وجاداً لبناء هذه المؤسسات وتقويتها يصبح ضرورة حتى تتمكن هذه المؤسسات من لعب الدور المأمول منها.

في مطلع هذا العام صدر في القاهرة كتاب "المرشد إلى قواعد وإجراءات الهيئات التداولية" للدكتور أحمد الصافي. ودكتور الصافي ليس من المحترفين السياسيين بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما هو طبيب متخصص في التخدير والإنعاش، لكن اهتماماته العامة دفعته إلى الإسهام في تحرير المجلة الطبية السوداني، كما أصدر كتاباً يضم مقالات مختارة عن البروفسور التيجاني الماحي، الذي أطلق عليه صفة "أبو الطب النفسي في إفريقيا" وهو يعد حالياً لإصدار كتاب عن الطب الشعبي.

الكتاب الذي تبلغ صفحاته قرابة 600 صفحة يضم 26 فصلاً تتعرض لمختلف الجوانب التنظيمية المعلقة بالعمل العام من ترتيبات مالية التنظيم إلا الاجتماعات والتحضير لها وكيفية كتابة التقارير وطرح الاقتراحات إلي غير ذلك، كما يستعرض بالتعريف الدقيق الفروقات بين بعض الكلمات والممارسات التي يعتبرها البعض متشابهة مثل: الحوار ونطاقه، النقاش والمداولة والتفاوض كما يتعرض لفكرة التنظيمات التداولية أو ما يطلق عليها عموماً تنظيمات المجتمع المدني وعلاقتها بجهاز الدولة.

ويضم الكتاب كذلك ثبتاً بالمصطلحات "عربي – إنجليزي" وآخر "إنجليزي – عربي" إلى جانب قائمة بالمصادر العربية والإنجليزية.

ويشير الكاتب في المقدمة التي أعدها للكتاب إلى أن إحدى وسائل الحفاظ على الديموقراطية ممارستها بصورة سليمة، وأن وجود سجل موثق للوائح والإجراءات يسهم في ترسيخ الممارسة الديموقراطية داخل منظمات المجتمع هو خطوة أساسية لإشاعة الديموقراطية في البلاد.

استعان المؤلف بالكثير من المراجع الأجنبية المتفردة ليرفد بحثه، كما تعرض إلى بعض الكتب السودانية الموروثة مثل "الطريق إلى البرلمان" للزعيم إسماعيل الأزهري، الذي اعتبر مرجعاً في الكثير من الدساتير خاصة الطلابية منها مثل اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وكتاب "الجمعيات داخل المدرسة وخارجها: إرشادات للمبتدئين في الديموقراطية العملية" الذي ألفه ف. ل. قريفث ومكي عباس، وأعد أساسا لتدريب المعلمين. ويعتبر المؤلف هذين الكتابين هامين ورائدين في إشاعة أدبيات التنظيم والاجتماعات في السودان، كما يشير إلى أن عبد الخالق محجوب أعد كتاباً أسماه "كيف تعقد اجتماعاً ناجحاً؟" وهو الوحيد من قيادات الأحزاب الذي اهتم بهذا الجانب فيما يبدو، لكن لم يتم العثور على نسخة من الكتاب، كما أوضح المؤلف.

الكتاب الذي تم تصديره بعبارة تقول "من أجل دولة مدنية ديموقراطية" يحاول كما قال مؤلفه، إلقاء الضوء على ثلاث قضاياً: آليات الممارسة الديموقراطية السليمة في الواقع العملي، التنظيمات التي تنطبق عليها هذه الآليات وكيفية قيام التنظيمات وكيف تدار والوثائق التي تضفي الشرعية عليها. فإحدى وسائل الحفاظ على الديموقراطية ممارستها بصورة صحيحة.

والكتاب بهذا لا يعتبر إضافة إلى المكتبة السودانية التي تعاني فقراً مدقعاً في هذا الجانب، وإنما إسهاماً في بناء التجربة الديموقراطية في السودان التي تعاني بدورها من فقر أكثر حدة خاصة في الجوانب النظرية والإجرائية.

عبد الله على إبراهيم
فقه استباق الخيرات: دكتور الصافي قال عوافي
الصحافي الدولي 11 أغسطس 2001

إذا صحت عزائم الصلح الوطني الشامل الذي تلوح بشائره فإننا مقبلون على أيام يكون للاجتماع فيها خطر عظيم، فسيعتمد نجاحنا في التفاوض الجديد حول وطن يأمن له كل السودانيين ودولة تسهر على مصالح سائرهم على إحساننا في إدارة الاجتماع. فالاجتماع استثمار ذكي في الوقت والنقاش والخيال وموارد اللغة لينتهي المجتمعون من أمرهم إلى غاية راضية مرضية.

وليربح هذا الاستثمار تصبح معرفة سائر قوى ومنظمات المجتمع المدني بأصول فن وإدارة الاجتماع شرطاً مقدماً وثقافة دارجة يتواثق بها المجتمعون طلباً للإجماع أو نحوه.

لم يكن تاريخ الاجتماع في حق السياسة السودانية من الأمور المطروقة برغم أنه يشكل فصلاً غنياً في دفاتر الحركة الوطنية والاجتماعية والنقابية السودانية. فقد انتبهت هذه الحركة لمنزلة الاجتماع وخطره في سعيها لسداد شغلها وتوالت إصدارات مختلفة تشرح أصول الاجتماع: تحضيره وتصميم جدول أعماله، نصابه القانوني وتقاريره، تسجيل الوقائع والمحضر، إجراءات التداول، والترشيح والتصويت والانتخابات وضوابط السلوك. فقد كتب السد إسماعيل الأزهري كتاباً فرداً هو "الطريق إلى البرلمان" 1946 ليزود الجمعيات والهيئات والأحزاب بالقواعد المقررة في إدارة الاجتماع. وأذكر أن اتخاذ طلاب جامعة الخرطوم كان قد قرر في الخمسينيات أنه ترجع هيئات الإتحاد "لجنة، مجلس، اجتماع عام" إلى كتاب الأزهري هذا إذا استشكل أمر بين أمور الاجتماع عليهم.

ومن الجهة الأخرى فقد حرص معهد بخت الرضا حين تأكد للإنجليز أن السودان مستقل لا محالة أن يدرب تلاميذ المدارس، مواطنو الدولة المستقلة القادمة، في فن الاجتماع والجمعيات. فأصدر قريفث، مدير بخت الرضا الإنجليزي، ومكي عباس كتاب "الجمعيات داخل المدرسة وخارجها: إرشادات للمبتدئين في الديمقراطية العملية 1943" يهدي التلاميذ إلى القواعد المرعية في إدارة الاجتماع.

وتجددت العناية بالاجتماع وفنه على يد الحركة الشيوعية الناشئة للحد الذي أصدرت فيه كتاباً هادياً في هذا الباب سمته "كيف تعقد اجتماعاً ناجحاً؟"

ومن حسن الطالع أن يكون بين يدينا كتاب جديد رشيق عن فن الاجتماع على هذه الأيام التي سكون فيها الاجتماع بؤرة لنشاط عصبي وتنظيمي وفكري كثير لتنزيل الوفاق بين السودانيين. وعنوان الكتاب هو: المرشد إلى قواعد وإجراءات الهيئات التداولية. وهو من وضع الدكتور أحمد الصافي ...

ودكتور الصافي ذو باع طويل في التأليف المبتكر السباق، فقد فاز بجائزة المرحوم السلمابي على بحث له عن الطب الشعبي وهو ما يزال طالباً مبتدئاً بكلية الطب. ثم توفر دكتور الصافي على مخطوطات الدكتور التجاني الماحي فحققها وحررها ونشرها على الملأ فأسدى خدمة غراء لأستاذ الجيل لا يقوى عليها إلا ذوو العزائم الماضية. وها هو يستبق الخيرات ليزودنا بكتاب عن الاجتماع يهدينا إلى سواء الاجتماع والإجماع متى ما كففنا عن الهرج واستدبرنا البغضاء وتعالينا على التشرذم.

وهذا كتاب متوقع من أخصائي تخدير. فكما يفعل أخصائي التخدير فقد هيأنا دكتور الصافي بكتابه لعملية الوفاق الوطني التي نريد لها أن تستل من جسدنا أورام البغضاء والشقاق والضغينة والغبن ولتبلغ صحة الألفة والإخاء السودانيين.

طه إبراهيم
صدور كتاب "المرشد إلى قواعد وإجراءات الهيئات التداولية"
جريدة الخرطوم 2000

صدر في الأيام الماضية أحد أخطر وأهم المراجع المرشدة لإقامة دولة مدنية ديموقراطية لمؤلفه الدكتور أحمد الصافي، وعهد بتوزيعه لمركز الدراسات السودانية، ويتكون من ستمائة صفحة من القطع الكبير وملحق به عدة فهارس شديدة الأهمية.

إن أية مجموعة من الناس تجتمع أو تلتقي لتحقيق غرض أو أغراض مشتركة سواء كانت سياسية (أحزاب أو برلمانات) أو اقتصادية (مجالس إدارة الشركات) أو نقابية أو مدنية في منظمات المجتمع المدني ثقافية في الجمعيات والإتحادان ... الخ، لا بد لمثل هذه المجموعة من أن تتداول وتتحاور، والمقصود أن يكون الحوار أو التداول مثمراً ومنتجاً وفعالاً، وقد دلت التجربة الإنسانية أن الحوار أو التداول لا يمكن أن يحقق أغراضه ويثمر إلا إذا انضبط بقواعد وإجراءات معدة سلفاً.

إن التداول الذي لا تحكمه ضوابط وإجراءات لا بد أن ينقلب أو ينتهي إلى فوضى، أو استبداد يتحكم فيه البعض على البعض الآخر، وقد يتحول إلى حوار طرشان، أو تداول جلسات أنس السكارى، وفي النهاية لا يحقق الغرض الذي من أجله تم التقاء الجماعة، وفي أحسن الحالات لا يتجاوز مردوده 5% مما كان يجب أن يتحقق.

إن القواعد والإجراءات يجب أن تكون معدة سلفاً ومتفقاً عليها، ولديها مرجع معروف يتم اللجوء إليه لحظة الخلاف فيما ليس فيه نص، أو نصه غامض، لأنه بغير ذلك فإن البعض ينج في التحكم في البعض الآخر، حيث يفرض الفكرة أو الحل الذي يطرأ دون روية، أو الذي يحقق مصلحة البعض، ويصادر حرية وحقوق الآخرين.

في المجتمعات المدنية الديموقراطية المتقدمة لا يمكن أن يتشكل تنظيم مهما كان غرضه إذا لم يكن قد اتفق على قواعده وإجراءاته ومرجع الإجراءات، ولهذا وجدنا المراجع المطولة التي تشبه دوائر المعارف في الإجراءات، أما في المجتمعات المتخلفة فقلما تسمع أي شيء عن الإجراءات أو مراجعها، وإذا تكرم بعض أهواء في التنظيم ووضعوا لائحة له فالكل ينساها بعد إجازتها، وبطبيعة الحال فإن واضع اللوائح لا يكون قد قرأ مقالاً في جريدة عن الأسس العلمية لوضع اللوائح، ولا يخطر ببال أحد أن يتذكر مرجعاً للإجراءات يحتكم إليه لأن الحقيقة المؤلمة وراء هذه الطاهرة هي هشاشة الحس الديموقراطي إن لم يكن انعدامه، حتى في مجالس إدارة الشركات نجد دائماً من يتحكم في مجلس الإدارة ويملي عليه قراراته.

والسودان ليس استثناء من البلدان المخلفة، فأول وآخر مرجع للقواعد والإجراءات صدر عام 1946 بقلم الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري وسماه "الطريق إلى البرلمان" وهو لا يحتوي على أكثر من 1% مما يجب أن يوضع من قواعد وإجراءات.

ويبدو أن د. أحمد الصافي خجل من هذا الوضع، فراح ينحت في الصخر ليجد مرجعاً آخر، فأشار إلى كتيب مستر قرفس ومكي عباس الذي صدر عام 1943 تحت اسم "الجمعيات داخل المدرسة وخارجها: إرشادات للمبتدئين في الديموقراطية العملية".

ثم أشار المؤلف إلى لوائح لا تعد في الواقع مرجعاً علمياً للإجراءات، كقانون الشركات ولوائح الجمعية التأسيسية وقوانين النقابات. بل علمت أن المؤلف بحث عن ورقة كتبها المرحوم عبد الخالق محجوب بعنوان "كيف تدير اجتماعاً ناجحاً" ولكنه لم يعثر عليه، ولهذا اضطر المؤلف للغوص في المراجع الأجنبية، ويقيني أنه بذل جهداً خارقاً لم أشاهد له مثيلاً في الكتابات السودانية.

يحق لنا كسودانيين أن نفخر بأن سودانياً وضع باللغة العربية أول مرجع للإجراءات يستحق علمياً هذا الوصف. وأتمنى أن يقوم كل ناشط سياسي أو نقابي أو في منظمات المجتمع المدني، وكل ناشط اقتصادي يعمل في الاقتصاد الحديث القائم على الشركات بكافة أنواعها، بامتلاك وقراءة هذا المرجع، بل وأتوقع من كل هؤلاء أن يقترحوا وضع هذا الكتاب كمرجع لتنظيماتهم.

إن عدم الإلمام بقواعد وإجراءات التداول قد ساهم في التسبب في كثير من المآسي السودانية، لعل أشهرها كان طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان، فول كان هناك مرجع للإجراءات يحدد حقوق الأقلية التي لا يجوز أن تصادر بقرار من الأغلبية لما تمكن الهوس الدينة من تمرير القرار أو على الأقل لكان هناك سند واضح لإبطال القرار.

والآن يعاني التجمع الوطني بسبب غياب المرجعية الإجرائية التي تشير أو ترشد لطريقة اتخاذ القرار الملزم، كما يتناطح بعض المسئولين فيه استناداً على غياب القواعد والضوابط والإجراءات التي تحكم علاقاتهم وأوضاعهم وحقوقهم والتزاماتهم، ولهذا أحسب أن كتاب الدكتور أحمد الصافي قد صدر في موعده.

 

Copyright © 2001by Dr. Ahmad Al Safi: Practical Democracy (الديموقراطية العملية). All Rights Reserved
Last modified: April 30, 2003