يستحسن أيضاً تحاشي النص على الأغلبية بأنها (النصف + 1) لأن ذلك قد يقود لحساب خاطئ عندما يشمل نصف عدد الذين أدلوا بأصواتهم كسراً عشرياً. مثلاً: إذا كان عدد الذين أدلوا بأصواتهم هو 61 فالأغلبية هي 31 (أي ثلاثون ونصف مجبورة لأقرب عدد صحيح = 31). أما إذا حسبت الأغلبية وفق النص أعلاه (النصف + 1) فستكون الأغلبية في هذه الحالة هي 32 (30 ونصف + 1).
قد يطلب القانون أو النظام الأساسي بنص صريح أو بإشارة لمرجع عام تبناه التنظيم، أغلبية أكثر من البسيطة لإجازة بعض الاقتراحات أو إنجاز بعض الأعمال. وقد يكون حجم هذه الأغلبية هو الثلثين أو الثلاثة أرباع أو الأربعة أخماس أو قد تكون كل العضوية (الإجماع). تعرف مثل هذه الأغلبية بـ (الأغلبية الخاصة).
على كل تنظيم أن يكون حذراً حينما يستعمل أغلبية خاصة خصوصاً عندما تكون كبيرة جداً، لأنها قد توقعه في قبضة الأقلية. فقد شاع فهم خاطئ مؤداه أن الأغلبية الكبيرة تضفي حماية أكبر على الأعضاء وتعطي وزناً أكبر لقراراتهم. لكن ذلك هو العكس تماماً. ففي المسائل التي تتطلب إجازتها أغلبية أكبر من النصف تنتقل السيطرة في اتخاذ القرار من يد الأغلبية إلى يد الأقلية طرداً كلما زاد مقدار الأغلبية. كيف؟ في حالة الاقتراحات التي تحتاج لأغلبية ثلثي الأصوات لإجازتها، يمكن لمجموعة من ثلث الأعضاء زائداً واحداً أن تهزم الاقتراح. ليس ذلك فقط، بل تهزم الأغلبية أيضاً وبالتالي تهزم إرادة التنظيم في تلك المسألة.
كلما زادت النسبة المطلوبة لإجازة اقتراح من الاقتراحات، صغر حجم الأقلية التي يؤول إليها حق الاعتراض عليه. فإذا نص التنظيم على أن تصدر بعض قراراته أو ينتخب عضو من أعضائه لمنصب من مناصبه بالإجماع، يكون بذلك قد أعطى عملياً أقلية لا تزيد عن عضو واحد حق السيطرة الكاملة على صنع القرار. ويكون حينئذ قد أعطى عضواً واحداً حق النقض لأي اقتراح يطرح فيه.
رغم هذه المحاذير، هناك بعض الحالات التي تستدعي استعمال حجم أو نسبة أكبر من الأغلبية البسيطة. فإذا كانت المسألة المطروحة للتصويت متعلقة بتعديل أو منع أو انتقاص حق من حقوق الأعضاء مثلاً، فمن المنطقي أن تؤخذ موافقة أكبر عدد ممكن من الذين يتأثرون مباشرة بذلك القرار. وعندما يطلب التنظيم أن تجاز اقتراحاته (وبالتالي تتخذ قراراته) وينتخب مرشحوه بأقل من أغلبية الأصوات أي بالأكثرية، يكون بذلك قد سلب باختياره الأغلبية حقها في أن تقرر وأعطى ذلك الحق للأقلية. وبالتالي لا يجد العضو المنتخب أو القرار الذي اتخذ بالأكثرية المؤازرة إلا من أقلية.
يجب أن تتوافر الشروط التالية حتى تصبح الأغلبية المطلوبة صحيحة:
تعادل الأصوات هو أن تأتي الأصوات التي مع اقتراح من الاقتراحات أو الأصوات التي اقترعت لصالح مرشح أو أكثر مثل التي ضدها. وبما أن إجازة الاقتراحات وانتخاب المرشحين لملء أي منصب من مناصب أي تنظيم من التنظيمات تحتاج للأغلبية (ما زاد على نصف الأصوات)، يسقط الاقتراح أو المرشح إذا تعادلت الأصوات. إذا أستأنف عضو على قرار أو حكم اتخذه الرئيس وطرح هذا الاستئناف على الاجتماع، يسقط الاستئناف إذا تعادلت الأصوات عند التصويت. أما إذا تعادلت الأصوات على خيارين أو أكثر أو مرشحين أو أكثر، يعاد التصويت حتى ينتهي التعادل أو حتى يتبنى الاجتماع طريقة أخرى للاختيار (استعمال القرعة مثلاً). إذا كان الرئيس عضواً في التنظيم وكان له الحق في صوت ترجيح، ولم يكن قد صوت مع الآخرين، يمكنه أن يصوت عند تعادل الأصوات ويرجح بصوته كفة التعادل لهذه الجهة أو تلك (انظر أدناه).
صوت الترجيح هو صوت الرئيس حين يستعمله ليرجح به كفة على أخرى إذا تساوت الكفتان عند التصويت على اقتراح أو تعادلت الأصوات التي اقترعت لصالح أكثر من مرشح. قد يعطي النظام الأساسي أحياناً الرئيس الحق في أن يصوت مرتين: مرة كعضو وأخرى بصفته رئيساً، لكنه يكون بذلك قد تعدى على المبادئ الديموقراطية السليمة. فالرئيس عضو من أعضاء التنظيم وليس هناك سبب معقول يعطي أي عضو الحق في أن يصوت مرتين. فقد كان المنطق وراء إعطاء الرئيس صوتين هو أن يستعمل الصوت الثاني كصوت ترجيح ويحل بالتالي عقدة نشأت بتعادل الأصوات. لكن حقيقة أن تعادل الأصوات نفسه يحسم المسألة - بسقوطها، ولا يترك مسألة تحتاج إلى حسم.
إذا كان الرئيس عضواً في التنظيم، فله الحق في أن يشارك في التصويت مثله مثل أي عضو آخر، لكنه في الغالب، وتأكيداً لحيدته، لا يشارك إلا عندما يكون الاقتراع سرياً أو إذا أراد أن يرجح بصوته كفة التصويت عندما يجرى بأي طريقة غير الاقتراع السري. إذا شارك الرئيس أو لم يشارك في الاقتراع السري وتعادلت الأصوات، لا يحق له أن يدلي بصوته ليرجح به كفة على أخرى.
يستعمل الرئيس عادة صوت الترجيح في اجتماعات اللجان والمكاتب التنفيذية عندما يكون له حق المناقشة وإبداء الرأي في الاقتراحات المطروحة. أما في الاجتماعات الكبيرة فدوره في النقاش محدد وينتظر منه أن يتحلى بالحيدة وأن يحافظ على المواقف كما كانت عليها قبل التصويت، فيبقي موضوع النقاش حياً والمداولات متصلة. وبالتالي يفضل أن يكون الرئيس محايداً أيضاً حتى عند التصويت، وإذا صوت، فينتظر منه ألا يستعمل صوته ليرجح به كفة على أخرى حتى لو سمحت له النظم المتبعة بذلك. وحتى لا يفوز خيار من الخيارات نتيجة صوته، ويخلق بذلك موقفاً محرجاً بين الأعضاء. بمعنى آخر، على الرئيس أن يستعمل حقه في ترجيح كفة على أخرى مراعياً مصلحة التنظيم أولاً. إذا لم يكن للرئيس الحق في التصويت فلا يكون له صوت ترجيح.
نعطي أدناه بعض الأمثلة لاستعمالات صوت الترجيح التي تنطبق على أي طريقة تحسب بها الأغلبية. تأكد هذه الأمثلة أن استعمالات صوت الترجيح عديدة، لذلك يفضل أن تترك للرئيس حرية التعبير عن رأيه باستعمال صوت الترجيح المعبر عن قناعته بغض النظر عن الحالات المذكورة أدناه:
الأكثرية هي أن ينال مرشح من المرشحين أو خيار من الخيارات أصواتاً أكثر من أي مرشح أو خيار آخر إذا كان عدد المرشحين أو الخيارات ثلاثة أو أكثر. توصف الأكثرية بالأغلبية النسبية أحياناً، وهو وصف يستحسن تحاشيه لأنه يدعو للخلط. والأكثرية (ما لم تكن أغلبية) فلا تجيز اقتراحاً ولا تنتخب مرشحاً إلا إذا سمح القانون أو النظام الأساسي بذلك.
فإذا تفرقت الأصوات عند التصويت على عدة خيارات: ثلاثة اقتراحات أو أكثر، أو على ثلاثة مرشحين أو أكثر نالوا على التوالي: 39، 32، 20، فيكون صاحب أكثر الأصوات هو الفائز (الذي نال 39 صوتاً) إذا نص النظام الأساسي على إمكانية فوز مرشح بالأكثرية. ويضيع بالتالي حق الأغلبية في أن تقرر. أما إذا نص النظام الأساسي على ألا ينتخب أي مرشح لأي منصب من مناصب التنظيم إلا بأغلبية الأصوات، على الاجتماع أن يعيد الاقتراع حتى يحرز أحد المرشحين الأغلبية. في هذا المثال قد يمثل المرشح الذي نال 39 صوتاً وجهة نظر متطرفة دعت الأعضاء لأن يوزعوا أصواتهم على الخيارين الآخرين اللذين يمثلان وجهات نظر مقبولة. إذا أعيد الاقتراع قد يحرز أحد هذين الخيارين أغلبية الأصوات أو قد ينسحب المرشح الضعيف كما يحدث في أغلب الأحوال وتتحقق الأغلبية للآخر. كذلك، يقل عدد المناصرين لاقتراح أو لمرشح ما كلما زادت البدائل أو زاد عدد المرشحين، وهذا عيب آخر إذا تم الاختيار بالأكثرية.
رغم أن طريقة الانتخاب بالأكثرية بسيطة وسريعة إلا أنها ليست في صالح التنظيم العادي وليس من الحكمة استعمالها. لكن قد تكون طريقة مناسبة عند التصويت بالبريد لاختيار أعضاء المكتب التنفيذي لتنظيم تفرق أعضاؤه في عدة دول (جمعية علمية مثلاً)، وبالتالي توفر بعض الوقت والمال حين لا يحتاج التنظيم لإعادة الاقتراع أكثر من مرة. أيضاً أجاز القانون فوز المرشحين إذا نالوا أكثرية الأصوات الصحيحة في الانتخابات العامة، وهي الحالة الوحيدة التي لا تطلب فيها الأغلبية.
الموافقة العامة هي إجازة أي اقتراح دون تصويت فعلي أو اعتراض عليه. إذا تم التصويت فعلاً على الاقتراح، وجاءت كل الأصوات في جانب واحد فذلك هو التصويت بالإجماع (أنظر أدناه). إذا أبدى أي عضو اعتراضه على أي اقتراح فإن الموافقة العامة لم تتم في هذه الحالة، وعلى الرئيس أن يطرح الاقتراح للتصويت بالطريقة المعتادة. القرار الذي يصل إليه الاجتماع عن طريق الموافقة العامة قرار قانوني، وعلى أمين المكتب التنفيذي أن يسجله في محضر الاجتماع على أنه قرار رسمي من قرارات الاجتماع.
باستعمال الموافقة العامة تحسم الاجتماعات العديد من الأعمال الروتينية مثل إقرار جدول الأعمال أو تصحيح وإقرار محاضر الاجتماعات، أو انتقال الرئيس من بند لآخر في جدول الأعمال مفترضاً موافقة الاجتماع على النتيجة التي يستخلصها من مجرى النقاش، أو انتقاله بسرعة من اقتراح لآخر حين لا تستدعي تلك الاقتراحات نقاشاً أو لا تحمل معارضة تذكر.
إجازة الاقتراحات بالموافقة العامة طريقة شائعة في أعمال اللجان والمكاتب التنفيذية الصغيرة وتوفر لهذه الأجهزة كثيراً من الوقت والجهد. تستعمل الموافقة العامة أيضاً لقبول أي تعديلات بسيطة على الاقتراحات الجديدة، ولاتخاذ قرار في اقتراح طرح دون إخطار، ولإجازة أي اقتراح طرحه عضو لكن لم يقدمه الرئيس للاجتماع بعد. وقد تستعمل في الأمور الهامة مثل انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي وأعضاء لجانه إذا كان ذلك مناسباً.
أيضاً يحدث كثيراً أن يجد الاجتماع نفسه قد شرع في نقاش ودي في مسألة من المسائل دون أن تطرح عليه باقتراح. في هذه الحالة وحتى لا يضيع جهد الاجتماع هدراً، يمكن للرئيس أن يطرح المسألة باقتراح في الوقت المناسب مستغلاً موافقة الاجتماع أو يطلب من أحد الأعضاء أن يقوم بذلك.
وإذا طلب متحدث وقتاً إضافياً لإكمال حديثه مثلاً، وكانت اللائحة الداخلية قد حددت مدة الكلمة التي على أي متحدث ألا يتعداها، يبادر الرئيس قائلاً: “هل هناك اعتراض على أن يمنح السيد … دقيقتين إضافيتين لتكملة حديثه؟” ويكون بذلك قد استأذن الاجتماع في التصرف.
وإذا أراد الرئيس أن يرفع الاجتماع لاستراحة قصيرة، يقول: “هل يمانع الاجتماع في أن يستريح لمدة خمسة دقائق؟”
إذا اعترض أي عضو على أي واحد من هذه الطلبات، على الرئيس أن يأخذ الأصوات بالطرق المنصوص عليها أو بتلك التي يختارها الأعضاء.
تستعمل الموافقة العامة أيضاً لإجازة بعض الأمور الهامة، فهي أقوى في حجمها من أي أغلبية خاصة وبالتالي تجيز أي اقتراح طلب التنظيم إجازته بالأغلبية البسيطة أو بأغلبية الثلثين أو بأي أغلبية أخرى. لا تطلب الموافقة العامة باقتراح، وبالتالي لا تحتاج لكل ما يتبع أغلب الاقتراحات من خطوات (تداول وتصويت وعد أصوات وإعلان نتيجة). إذا رأي الرئيس أن إرادة الاجتماع واضحة وأن الأعضاء كلهم يوافقون على نتيجة مسألة من المسائل، يمكنه أن يعلن تلك النتيجة ما لم يعترض أحد الأعضاء. ليس للرئيس الحق في اتخاذ أي قرار وحده، لكن باستعماله للجملة (هل هناك اعتراض في أن … ،) يأخذ موافقة الاجتماع ويؤدي أغلب المهام في سهولة ويسر.
لا يخلو استعمال الموافقة العامة من مثالب. فالموافقة العامة لا تعني دائماً أن جميع الأعضاء متفقون حول المسألة المعنية، فقد يصمت البعض ويندمج في التيار العام رغم اختلافه مع الآخرين خوفاً من المعارضة أو خوفاً من أن يعطي انطباعاً خاطئاً بأنه يشق الصف أو يعارض القيادة أو لكيلا يدمغ بأنه مشاغب، أو تقية أو إيثاراً للسلامة أو حجباً لرأي لا يود أن يجاهر به. وقد يرى البعض الآخر بأنه لا فائدة تجنى من المعارضة لأن وزنه لا يعتد به. وقد تكون الموافقة العامة حلاً وسطاً بكل ما يحمل الوسط من تنازلات، وبالتالي تكون مجالاً للذين يخفون وجههم الحقيقي وللذين لا يودون إبداء رأي محدد في أي مسألة (مع، أو ضد، أو في الحياد). وتكون بالتالي بعض القرارات رغم اتفاق الاجتماع عليها ناقصة لا تجد من يدافع عنها أو من يتحمل مسئوليتها.
وقد يقود الإكثار من استعمال الموافقة العامة أو التعود عليها كطريقة مريحة لإجازة الاقتراحات للظن بأن التنظيم بعيد عن الصراع، وأنها الطريق الأمثل مقارنة بغيرها من الطرق التي تحتاج لتصويت ولأغلبية محددة لإجازتها. فالتصويت على الاقتراحات في بعض الأحيان قد يكون أنفع للممارسة السليمة من قبولها بموافقة سريعة، إذ أنه يساعد على بلورة الأفكار وتحديد المواقف.
وقد لا تكون الموافقة العامة طريقة عملية أو سريعة في كل الأحوال، لأن طبيعة الوفاق قد تحتاج لحوار أكثر استفاضة مما تتطلبه الاقتراحات العادية. وحين يعترض أحد الأعضاء على إجازة اقتراح ما بالموافقة العامة قد لا يعني ذلك بالضرورة أنه ضد الاقتراح، بل قد يعني أنه يفضل أن يعالج الاقتراح بالتصويت المباشر.
التصويت بالإجماع، ونشير إليه بـ (الإجماع) في هذا الكتاب، هو أن تجيء كل الأصوات الصحيحة في جانب واحد مع أو ضد الاقتراح أو المرشح، وهو غير الموافقة العامة (أنظر أعلاه) التي تجيز الاقتراحات دون تصويت فعلي عليها. قد يعرَّف الإجماع ليكون مثلاً من عضوية التنظيم، حينئذ، يجب أن تكون كل عضوية التنظيم موجودة في مكان الاقتراع وأن تصوت كلها مع أو ضد الاقتراح. إذا صوت عضو واحد مع اقتراح من الاقتراحات، ولم يصوت أي عضو آخر ضده، يفوز الاقتراح بالإجماع، فالإجماع ليس هو أن يقول الكل أنهم مع الاقتراح. إذا لم يصوت أحد ضد الاقتراح وامتنع الآخرون عن التصويت، يقال أن المسألة أجيزت دون اعتراض. وإذا كان عدد المرشحين للجنة مثلاً مطابقاً لعدد المقاعد المقررة، يفوز كل المرشحين بالتزكية. كما يفوز بالتزكية أي مرشح لا منافس له.
يفضل أن تستعمل كلمة (إجماع) بدقة وألا تستعمل مطلقاً لتصف الموافقة العامة تجاوزاً (أنظر أعلاه). إذا استعملت بهذا الفهم أدخلت في حرج الأعضاء الممتنعين عن التصويت أو الذين صمتوا عن معارضة مسألة من المسائل، وعرضت للخطر مبدأ المساواة في العضوية الذي يكفل لكل عضو الحق في أن يمتنع عن التصويت وألا يدلي بصوته إلا بإرادته الحرة لا مجبراً.
تسعى بعض المجتمعات لأن تجيز كل المسائل المطروحة أمام اجتماعاتها بالإجماع حتى لو اعتمدت حكم الأغلبية. تسعى الاجتماعات في هذه الأحوال لأن تخفف من حدة الخلاف بين وجهات النظر وتعمل على أن يقدم كل طرف تنازلاً عن مواقفه واعتراضاته القوية وخلق فهم مشترك للمسألة المطروحة. يحقق المجتمعون هذه الأغراض بإخضاع المسألة لحوار مكثف ولتشاور مستمر ولدراسات اللجان حتى تتناغم أفكارهم ويصلوا للإجماع. في هذه المجتمعات الإجماع هو موقف رافض ضمناً للقرارات الفردية وغير راض عن القرارات التي تجاز بالأغلبية الحسابية مهما كان حجمها.
لأسباب تتعلق بالوزن السياسي أو العسكري أو غيره، قد يكون لبعض الأطراف المشاركة في تنظيم من التنظيمات حق النقض (الفيتو) لأي إجراء أو اقتراح هام يطرح على هذه الأطراف للتداول لاتخاذ قرار بشأنه. يمكن، باستعمال هذا الحق، لأي طرف واحد من هذه الأطراف منع إصدار القرار اللازم أو تعطيل العمل المعين.
يتكون مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة مثلاً من 15 عضواً من بينهم خمسة أعضاء دائمين يملكون حق النقض. تجاز في هذا المجلس أي مسألة هامة أو ما سميت بالقضايا الموضوعية (في مقابل القضايا الإجرائية التي لا تخضع لحق النقض) إذا نالت 9 أصوات ولم يعترض عليها علناً أي عضو من الأعضاء الذين يملكون حق النقض.
قد يكون حق النقض مطلقاً لا مراجعة فيه كحق أغلب الملوك وأعضاء هيئة الأمم المتحدة الدائمين في مجلس الأمن المشار إليه أعلاه. أما أغلب رؤساء الدول الغربية فيملكون حق النقض الذي يمنحه إياهم الدستور والذي يضع الضوابط التي تبطله أيضاً. ففي الولايات المتحدة مثلاً يمكن لأغلبية ثلثي الأصوات في المجلسين أن تبطل فيتو الرئيس.
ومع أن السياسة العالمية قد عرفت حق النقض ومارسته إلا أنه من الناحية الإجرائية يظل مبدأ مجافياً للقيم الديموقراطية الأساسية. وقد بذلت بعض المحاولات لتصحيح هذا الوضع في هيئة الأمم المتحدة على سبيل المثال، وذلك بتعديل ميثاقها وإلغاء هذا التمييز الواضح. نجحت هذه المحاولات فقط في إلغاء اعتبار الامتناع عن التصويت استخداماً لهذا الحق. أي أنه عندما يطرح اقتراح في اجتماع من اجتماعات مجلس الأمن لا يود عضو من الأعضاء المالكين لهذا الحق أن يسانده، لكن لا يود أن يفعل ذلك صراحة، فيحق لهذا العضو أن يمتنع عن التصويت. لا يعتبر الامتناع عن التصويت استعمالاً لحق النقض.
الرأي العام هو رأي تتخذه أو تعتنقه نسبة كبيرة من أعضاء الجماعة في قضية عامة أو مسألة معينة أو موضوع قابل للنقاش. وقد يكون الرأي العام رأي فئة منظمة في المجتمع مثل رأي المرأة في تحقيق المساواة، أو رأي الحكومات أو القيادات أو الصفوة. يتأثر الرأي العام بمكونات شخصية الفرد وبمصالحه، ويخضع للعوامل والمؤثرات الخارجية وبالمعلومات المتاحة وبطريقة فهم المسائل. إذا زاد انتشار الرأي العام وسط المجموعة لدرجة كبيرة واستقر لمدة طويلة، قد يتحول إلى (تراضي).
التراضي قيمة معنوية تقوم على قبول الناس عامة ورضاهم بحد أدنى من الثوابت، وعلى قاعدة عريضة من الأسس ومن القيم والأهداف المشتركة في المجتمع. فهو بالتالي عقد طوعي والتزام أخلاقي وتضامن بينهم للعمل سوياً في إطار عريض يشمل كل تيارات المجتمع.
والتراضي غير (الإجماع) وغير (الموافقة العامة) المشار إليهما أعلاه، فهو ليس طريقة لاتخاذ القرار بقدر ما هو قاعدة ونقطة مرجعية للانطلاق للعمل مع قبول الاختلاف. وبالتالي لا يخضع التراضي لما تخضع له القرارات اليومية ولا يجاز كما تجاز الاقتراحات بالتصويت وبتغليب القوة العددية. فعندما يتكون المجتمع من أعراق ومعتقدات وثقافات متعددة، وعندما يتفاوت فيه توزيع الثروة والسلطة والخدمات، وفرص العمل والتعليم وغيرها، يمثل التراضي الحد الأدنى من اتفاق الأمة. وبالتالي ليس لأي طرف من الأطراف التي تراضت على العيش سوياً أن يطالب بأن يفتت كيان الدولة أو يشكك في مواطنة الناس فيها أو يعمل على تقويض عقائدهم التي ارتضوها أو يسعى لتمكين ثقافة على حساب أخرى ويطلب أن يتم ذلك بالتصويت عليه والاحتكام فيه للأغلبية مهما كان نوعها أو حجمها.