مبادئ المداولات
أسفل | أعلى | تالي

 

[الصفحة الأولى]
[أعلى]

المبادئ التي تقوم عليها قواعد المداولات هي مجموعة من الآراء المنطقية ومن الخبرة الطويلة التي جمعها الناس أثناء اجتماعهم مع بعضهم بعضاً عبر الزمن، ومن الأعراف التي حكمت العديد من المجتمعات التقليدية، ومن الحلول التي قدمت للعديد من المشكلات والمعضلات الإجرائية التي تراكمت بتراكم الخبرة. وجاءت تلك المبادئ من منطق الحياة البسيط الذي يطلب من الجميع أن يتحلوا بروح المجاملة وأن يكونوا حين ينتظموا مع الآخرين منصفين لغيرهم في معاملاتهم لا محابين ولا منحازين.

وهذه المبادئ ثابتة، لكن أسلوب تطبيقها يختلف باختلاف التنظيم والظروف والأحوال المحيطة به وباختلاف أنواع المسائل المطروحة عليه. تبعت قواعد المداولات هذه المبادئ والمفاهيم متابعة طبيعية فكانت التطبيق المنطقي لها والتعبير المباشر والعملي عنها. لم تقم قواعد المداولات إذن اعتباطاً، بل قامت على مبادئ ومفاهيم سار عليها الناس زمناً طويلاً قبل أن تكتب أو تقنن.

وقواعد المداولات ليست قوانين تشريعية، لكنها أصبحت من حيث احترامها وتواتر استعمالها في حكم القانون. ولا يكفي أن يستظهر الفرد قواعد المداولات، وليس المطلوب منه أن يلتزم التزاماً أعمى بحرفية نصوصها، بل المطلوب منه أن يفهمها كمهارات وأدوات فهماً صحيحاً ويفهم المبادئ التي قامت عليها ويستعملها بلباقة وحسن نية وبتوازن صحيح في كل حالة. هذه المبادئ هي:

bullet

 الاجتماعات لتداول الأعمال المشروعة.

bullet

 مراعاة القانون والقرارات الأعلى.

bullet

 المساواة في الحقوق والامتيازات.

bullet

 المساواة في الواجبات والالتزامات.

bullet

 الإنصاف وحسن النية.

bullet

 اتخاذ القرار في اجتماع رسمي.

bullet

 المشاركة في التداول الحر المنظم.

bullet

 فهم أعمال الاجتماع.

bullet

 التصويت.

bullet

 الرضا والالتزام بحكم الأغلبية.

bullet

 حماية حقوق الأقلية.

الاجتماعات لتداول الأعمال المشروعة

على كل هيئة تداولية أن تتصرف في حدود السلطات التي أسبغتها على نفسها أو أعطتها إياها الجهة التي كونتها، وأن تكرس كل اجتماع من اجتماعاتها للقيام بأنشطة ذات صلة بأهداف تنظيمها. يعد باطلاً وفاقداً الأثر والمفعول أي تصرف أو عمل تقوم به مجموعة ما ويكون ذلك التصرف أو العمل خارج حدود سلطاتها.

مراعاة القانون والقرارات الأعلى

إن الدولة الديموقراطية الحديثة دولة قانونية بمعنى أنها تخضع وكافة أشخاصها وكل الناس فيها لحكم القانون كما تطبقه المحاكم، إذ أن حكم القانون محايد وعام وشامل. والمطلوب هو أن تراعي كل هيئة تداولية كل أشكال تشريعات الدولة وقوانينها (لوائحها وأوامرها ومراسيمها)، وأن تلتزم بكل قرار أو حكم أصدرته جهة أعلى منها. وأي قرار أو إجراء أو فعل يسبب انتهاكاً أو انتقاصاً لأي من هذه التشريعات أو القوانين أو الأحكام يعتبر مخالفاً لها وفاقداً الأثر والمفعول أيضاً. ليس ذلك فحسب، بل إذا وجد فرد أياً كانت صفته أو تنظيم أياً كان حجمه أو نوعه في وقت من الأوقات أن عليه أن يحكم في مسألة اشتبهت عليه، فإن عليه أن يحكِّم القانون في ذلك ويوصد بذلك الباب تماماً أمام اجتهاداته وما تحمله تلك الاجتهادات من أهواء.

المساواة في الحقوق والامتيازات

الحقوق الأساسية للفرد لا تتبدل ولا تتغير. فالمواطنون متساوون في الحقوق والواجبات تأسيساً على حق المواطنة ذات الحقوق والواجبات المتساوية وتأسيساً على احترام المعتقدات والتقاليد. وأعضاء كل تنظيم متساوون في حقوقهم وامتيازاتهم فيه وفق نوع عضوية كل واحد منهم كما عرفها نظامه الأساسي. والمساواة تعني عملياً أن لكل عضو فرصاً متساوية مع غيره في أن يطرح أعمالاً جديدة، وأن يشارك في نقاش ما يطرحه الآخرون، وأن يعترض على أي مسألة لا يتفق معها، وأن يرشح غيره وأن يرشَّح هو لأي منصب من مناصب التنظيم، وأن يصوت على أي اقتراح، وأن يشارك في الاقتراع في أي انتخابات، وأن يشارك في أي لجنة، وأن يشغل أي وظيفة حسبما تؤهله لذلك قدراته ومهاراته ومواهبه ورغبته في العمل، وأن يدافع عن حقوقه وامتيازاته وحقوق وامتيازات الأعضاء الآخرين التي يكفلها لهم تنظيمهم.

المساواة في الواجبات والالتزامات

بما أن لكل عضو نفس حقوق وامتيازات الأعضاء الآخرين، فإن كل الأعضاء متساوون في الواجبات التي يتعين عليهم أداؤها للتنظيم الذي ينتمون إليه. وعلى كل تنظيم - مهما تعددت الآراء والاتجاهات داخله - أن تتحد إرادته وهو يطرح برامجه من أجل إحداث التغييرات التي ينشدها. وبالتالي، فإن على كل عضو في أي تنظيم أن يلتزم ببرامج تنظيمه وبمقررات قيادته التزاماً صارماً، وأن يكون متفانياً في أداء واجبه، واعياً لحقوقه متمسكاً بها، متسامحاً مع الآخرين محترماً لهم ولآرائهم.

الغرض من الاجتماعات التي يعقدها التنظيم هو اتخاذ قرارات في الاقتراحات التي تطرح فيه، ولا يمكن للأعضاء أن يصلوا لقرارات صائبة إذا لم يقوموا بواجباتهم قبل وأثناء وبعد كل اجتماع على الوجه الأكمل ويدرسوا الوثائق الخاصة بكل مسألة. إذا لم يفعل كل عضو ذلك يكون قد استهان بالوقت وأضاعه وجعل الاجتماعات التي يشارك فيها تخوض في نقاش المسائل بمعلومات ناقصة أو يضطرها للاستماع لمذكرات طويلة مثلاً في وقت كان من الأجدى أن تصرفه في المداولات.

المطلوب من كل عضو إذن أن يعمل بجد على بلورة أفكاره عن كل مسألة تطرح في أي اجتماع من اجتماعات التنظيم الذي ينتمي إليه، ويجري ما يمكن إجراؤه من مشاورات حول تلك المسائل قبل أن يحضر الاجتماع. وأن يسعى إلى أن يلم بالمسألة المطروحة للنقاش إلماماً معقولاً وأن يعمل مع الآخرين لتوحيد الرأي حولها. وأن يتفادى، وهو يسعى لذلك، الوقوع في شرك الاتفاقات المسبقة التي تعيق وتمنع المناقشة الحرة.

الإنصاف وحسن النية

تقوم قواعد المداولات أيضاً على مبدأ عام يقضي بوجوب التزام التنظيم من جهة وأعضاؤه من جهة أخرى بتنفيذ التزاماتهما نحو بعضهما البعض بحسن نية. ومجالات تطبيق مبدأ (حسن النية) يصعب حصرها، لكن يمكن استقراؤها والاستدلال عليها في مجال قواعد المداولات وفي غيرها من مجالات الحياة في الأعراف والتقاليد السائدة، وفي القانون الطبيعي أو الفطرة السليمة، وفي إعمال الفكر السليم.

فمن المتوقع أن يجعل القائمون بأمر كل اجتماع اجتماعهم منصفاً لأعضائه فلا تشوب أي من التصرفات فيه سوء نية. فمبدأ حسن النية ينطبق على التنظيم وعلى العضو على حد سواء. فيتوقع من العضو الآتي:

bullet

 أن يلتزم بالسلوك الحسن والأخلاق الحميدة.

bullet

 أن يبادر بتقديم العون والمساعدة لغيره وللتنظيم عند الحاجة.

bullet

 ألا يفشي بأسرار التنظيم.

bullet

 أن يستعمل الأساليب الوقائية الممكنة والمعقولة في الحفاظ على ممتلكات التنظيم.

bullet

 أن يكشف عن أي مصلحة له في أي مسألة من المسائل حتى لا يصبح موضع شبهة.

bullet

 ألا يتباطأ في ما أوكل إليه من مهام دون مبرر معقول.

ويتوقع من التنظيم الآتي:

bullet

 أن يعامل أعضاءه بالاحترام اللائق ويمتنع عن كل ما يمس كرامتهم.

bullet

 أن يعطي أعضاءه الوقت الكافي للقيام بما أوكل إليهم من مهام، ويهيئ لهم الظروف المناسبة التي تمكنهم من تنفيذ مهامهم دون معوقات.

bullet

 ألا يكلف أعضاءه القيام بأي مهام لا طاقة ولا قدرة لهم بها.

bullet

 ألا يفتح المجال فيه أو في اجتماعاته للغش أو الخداع أو تحريف الكلام أو لتهويل النقاط البسيطة أو الإكثار من الإجراءات المعوقة لمجرى المداولات.

bullet

 أن يبتعد عن كل أشكال التعسف فيكون متسامحاً عن الزلات الإجرائية البسيطة، ولا يترك النقاش يجرى في اجتماعاته دون ضابط حتى ينحدر للتعرض للأشخاص.

اتخاذ القرار في اجتماع رسمي

لا يجوز لأي هيئة تداولية أن تتخذ قراراً أو تنجز عملاً أياً كان نوعه أو تكوِّن رأياً أو موقفاً موحداً في أي عمل يطرح عليها، إلا في اجتماع ينعقد بطريقة سليمة. أي قرار أو فهم أو موقف تم قبل أو بعد أو خارج اجتماع رسمي، غير شرعي وغير ملزم للمجموعة المعنية إلا ما استثنته قواعد المداولات أو فوضت المجموعة باتخاذه.

المشاركة في التداول الحر المنظم

القرارات التي تصدرها أي مجموعة تداولية هي قرارات كل عضويتها وليست وجهات نظرهم فرادى. وتداول كل مسألة بحرية مبدأ أساسي من مبادئ المداولات وهو أيضاً حق ثابت أصيل لكل عضو. لا يحرم العضو هذا الحق إلا بأغلبية ثلثي الأصوات، ولا تحد من حريته في المشاركة إلا قواعد وإجراءات المداولات وما يضعه التنظيم من قيود. للعضو الحق في أن يتحدث وأن يستمع الاجتماع إليه دون أن يقاطعه أو يزعجه أحد ما دام ملتزماً بقواعد المداولات السارية.

يجب أن يقصر كل اجتماع النقاش فيه على موضوع واحد في المرة الواحدة وأن يمنع الأعضاء من أن يستطردوا أو ينحرفوا به أو ينتقلوا منه إلى غيره إلا بعد أن يتخلصوا منه بالطريقة التي يختارونها. وعلى الرئيس أن يدير الاجتماع بطريقة منظمة ويطرح الموضوعات فيه للتداول بالطرق المعقولة وبأسهل الإجراءات الممكنة.

فهم أعمال الاجتماع

لكل عضو من أعضاء أي تنظيم من التنظيمات الحق في أن يكون على علم بما يدور في تنظيمه، وأن يدعى لكل اجتماع له حق الاشتراك فيه، وأن تحدد الدعوة مكان وميعاد انعقاده والمواد التي ستطرح فيه. وللأعضاء في أي اجتماع الحق في أن يطرح عليهم أي عمل جديد عن طريق اقتراح قابل للتقرير فيه بطريقة محددة رفضاً أو قبولاً.

وعلى الرئيس أن يتأكد من أن كل عضو في الاجتماع قد فهم الاقتراح إن لم يكن واضحاً للجميع ويبين للجميع الآثار المترتبة على تبنيه. وبالتالي، لكل عضو الحق في أن يطلب أي معلومات تساعده على فهم ذلك الاقتراح في أي وقت أثناء نقاشه خصوصاً إذا كان اقتراحاً معقداً أو هاماً. وعلى الاجتماع أن يتيح تلك المعلومات، ويتيح وقتاً كافياً لنقاشها. إذا لم تتوافر المعلومات اللازمة أو لم تكن واضحة، يمكن للاجتماع أن يحيل الاقتراح للجنة لدراسته أو يؤجل النظر فيه إلى أن تتوافر المعلومات اللازمة عنه. فمن مجمل هذه الإفادات والمعلومات والدراسات، يوسع الأعضاء من إدراكهم للمسألة التي يطرحها الاقتراح قبل أن يصوتوا عليه ويتخذوا قراراً بشأنه وهم على علم معقول بما يترتب على قرارهم من نتائج وتبعات.

فلا يقوم النقد البناء ولا تقوم القرارات الصائبة إلا على حقائق. فعلى الأعضاء أن يبذلوا قصارى جهدهم لإبراز الحقائق عن كل اقتراح يعرض عليهم، وأن يحجموا عن نشر أو ترويج أي معلومات ناقصة أو مضللة عنه أو يبنوا قراراتهم على إشاعات أو على مادة غير مؤسسة.

يستحسن أن يشجع كل اجتماع أعضاءه على أن يتشاوروا على انفراد في اجتماعات جانبية أو في جلسات سماع إذا أرادوا، ويتيح لهم الوقت والمكان المناسبين لذلك. فقد تساعد هذه المشاورات الجانبية والجلسات الودية على توحيد رؤاهم ومواقفهم حيال بعض جوانب المسائل المطروحة أمامهم.

التصويت

المشاركة في التصويت والانتخاب واجب من واجبات العضوية وفرض من فروض المواطنة إذا تعلقت بشأن من شئون البلد ككل. والمشاركة الحرة في التصويت هي أهم أسس الديموقراطية التعددية النيابية، فبها يحقق الفرد رغبة الأغلبية الممثلة للإرادة العامة، ويساهم في اختيار شاغلي الأجهزة التشريعية والتنفيذية، ويشارك في اتخاذ القرارات المختلفة.

فلكي تتخذ أي مجموعة قراراً في أي اقتراح مطروح أمامها، عليها أن تصوت عليه، وإذا كان عليها أن تختار بين عدة مرشحين عليها أن تقترع عليهم. فما يبديه أعضاء أي اجتماع من وجهات نظر حول أي عمل عرض عليهم لا يعد تصويتاً ولا ينجز أمراً في ذلك الاجتماع. ولا يكفي الافتراض بأن الأعضاء سيتصرفون أو يقررون بهذه الطريقة أو تلك، بل يجب أن يُجرى التصويت فعلاً وتُعلن نتيجته.

وللأعضاء الحق في أن يتلى عليهم كل اقتراح قبل أن يصوتوا عليه مباشرة وذلك حتى يستطيعوا التصويت وهم على علم كامل بصيغته الأخيرة خصوصاً إذا عدل بعد حوار طويل أو بعد أن أحيل للجان لدراسته أو لإعادة صياغته.

الرضا والالتزام بحكم الأغلبية

إن القرار في الهيئات التداولية هو ثمرة التفاعل بين القوى الممثلة في تلك الهيئة، ويتخذ كل قرار بالأغلبية. فحين تخضع الهيئة أي اقتراح بينها للتصويت قد يظهر فيها المؤيد والمعارض والمحايد، وقد يتمخض أخذ الرأي عن أغلبية وأقلية أو أقليات. وحتى حين يجمع الناس على قرار، قد لا يكون ذلك بالضرورة نتيجة اتفاق تام وقناعة مشتركة وأسباب واحدة، بل قد يكون قبولاً للمسألة لكن لأسباب مختلفة. وفي كل الأحوال، على الأغلبية أن تصون حقوق الأقلية المشروعة، وعلى الأقلية أن تلتزم بقرار الأغلبية.

يجب أن يعمل كل تنظيم على أن تتوافر فيه الظروف المواتية التي تمكنه من أن يأتي بأغلبية صادقة، وأن تتمكن تلك الأغلبية من أن ترى رأيها سائداً، ومن أن تحقق إرادتها وأغراضها. وليتحقق ذلك، على الأعضاء أن يعملوا على أن يحضروا اجتماعات تنظيمهم ويشاركوا في التصويت على الاقتراحات التي تطرح فيها ويقترعوا في الانتخابات التي تجرى. إذا لم يفعلوا ذلك، قد تتولى السلطة في تنظيمهم وتتصرف نيابة عنهم جميعاً فئة لا تتمتع بشرعية تمثيلية صادقة.

ليس من حق أي تنظيم أن يشكك في نوع الأغلبية التي أحرزتها فئة فيه أو يتهم هذه الفئة بأنها تأثرت بانتماء أو ولاء معين، كما ليس من حقه أن يلغي قرارات أو نتائج جاءت عن طريق إجراءات سليمة. لكن من الضروري أن يعمل كل تنظيم على تفادي الظروف التي تؤثر على القاعدة وهي تتخذ قرارها. فقد تصل هذه القاعدة لرأيها مدفوعة بعاطفتها أو متأثرة ببلاغة المتحدثين خصوصاً عندما تكون قاعدة محدودة التعليم، وقد تنقاد لولاء شخصي أو طائفي أو عشائري أو عقائدي أو مهني. وهذه أنواع من الولاء موجودة في كل مجتمع. فمن المهم ألا تؤثر هذه العوامل سلباً على سلامة اتخاذ القرار أو تخل بمعايير الأهلية، فتنتخب أو ترفع للمنصب من لا تتوافر فيه الشروط المطلوبة.

وقد يستغل المال أثناء الانتخابات لشراء الأصوات أو لشراء صمت المخالفين في الرأي، وقد يسخر لتصعيد حملات الدعاية لفئة دون أخرى ولاستمالة الصحافة والإعلام. وقد يستغل النفوذ السياسي وسلطة المنصب للتخويف أو الترغيب والترهيب. وقد تتعرض الأغلبية أثناء قيادتها للتنظيم لضغوط متواصلة من المعارضة ومن جماعات المصالح والضغط ومن مراكز المال والقوى بأنواعها ومن فئات وقوى هامشية عديدة في المجتمع، وقد تعطي هذه أو تلك وعوداً لا تستطيع أن تفي بها. وقد تكسب بعض هذه الفئات منافع تفوق طاقة التنظيم على تحملها.

وسلطة الأغلبية ليست مطلقة، فليس من حقها أن تتصرف نيابة عن الجميع دون ضابط وليس لها أن تحكم على كل الأشياء والأفعال فتطال المسموح والممنوع. وإرادة الأغلبية ليست مشروعة بذاتها ولا تعبر عن الحق والعدل المطلق. فالأغلبية معرضة للخطأ تماماً كما أن الفرد معرض للخطأ. وكما يتعلم الفرد من خطئه تتعلم الأغلبية من أخطائها. وسلطة الأغلبية خاضعة لموجهات وضوابط في كل مجتمع. وقوتها ليست قوة عددية آلية فقط، بل جزء من تدابير متكاملة تراضى عليها الناس لتحكم كل قوى المجتمع وتنظم العلاقات بينها. ترعى هذه التدابير عقائد المجتمع ومبادئه العليا وقيمه ومقاصده، وتكفل حقوق الإنسان، وتلزم كل سلطة تتولى أموره على عدم المساس بها في جميع الظروف.

تنص قواعد المداولات على أن يتم انتخاب أعضاء المكتب التنفيذي لأي تنظيم من التنظيمات وأعضاء أجهزته ومكاتبه ولجانه، وتفوض اللجان أعباءها وتجاز المسائل بأغلبية الأصوات. لكن أعطت هذه القواعد أيضاً كل تنظيم الحق في أن يحدد أي حجم آخر يراه مناسباً لأحواله. وإذا تم التصويت على اقتراح وأحرز الأغلبية، أصبح ذلك الاقتراح قراراً على كل عضو أن يقبل به ويخضع له. فالقبول بحكم الأغلبية يعزز من شرعية التنظيم، ويؤكد قبول القاعدة بالقيادة، لا إذعانها وخضوعها لها. وفي المقابل، على الأغلبية وأجهزتها القيادية والتنفيذية واجبات هامة عليها أن تضطلع بها، منها:

bullet

 أن ترفع من كفاءتها في إدارة شئون التنظيم وتحقيق أهدافه وتجسيد قيمه ومثله العليا.

bullet

 أن تكون نبيلة في قوتها ومتسامحة مع الأقلية مهما كان نوع هذه الأقلية أو حجمها، وأن تكون منصفة لحقوقها، وعادلة في رعاية مصالحها.

bullet

 أن تحمي حق الأقلية - خصوصاً إذا كانت أقلية قوية أو أقلية دائمة (أنظر أدناه) - في أن تبدي رأيها بحرية ولو كان رأياً مخالفاً. إن التاريخ يخبرنا بأن الأقلية التي هضمت حقوقها، وتلك التي لم تهضم حقوقها في بعض الأحيان، كانت وراء العديد من مصائب الشعوب ومن كوارث التاريخ.

bullet

 أن تعمل على أن تختفي من المجتمع كل العصبيات الضارة، وأن تشعر كل عضو بأنه ينتمي لتنظيم (أو وطن) واحد، ولا تشعره بأنه ينتمي لأقلية دينية أو مذهبية أو عنصرية.

حماية حقوق الأقلية

ما دامت هناك أغلبية فهناك أيضاً أقلية أو أكثر. لكن قد لا يكون الفصل بين الأغلبية والأقلية بالحدة والتمايز الذي يفهم من تعريفهما واستعمالهما، فما هما بقيمتين ثابتتين دائماً. فقد تكون الأقلية مؤقتة تعارض رأي الأغلبية بعض الوقت في بعض المسائل، وقد يشارك أفراد الأقلية في تكوين الأغلبية. والعضو الذي يكون في جانب الأغلبية في اقتراح قد يكون في جانب الأقلية في آخر. وقد تنحسر شعبية فئة معينة فتصبح أقلية بعد أن كانت أغلبية. وقد تكون الأقلية دائمة مثل الأقلية العرقية والدينية. وقد يكون للأقلية قوة من نوع خاص، فحين يكون حجمها أكثر من ثلث المجموعة ولو بواحد فقط، يمكنها عندئذ أن تدحر الاقتراحات التي تحتاج لأغلبية ثلثي الأصوات لقبولها (وعرفت بالتالي بالأقلية القوية).

مهما كانت قوة أو ضعف الأقلية، تظل حقوقها محفوظة ثابتة يجب مراعاتها في كل الأحوال. فقواعد المداولات تكفل حق كل عضو في كل اجتماع في جانب الأغلبية كان أم في جانب الأقلية، وعلى كل عضو في أي تنظيم أن يجعل حماية حقوق الأعضاء الآخرين أحد همومه. على التنظيم أن يشرك الأقلية فيه في مهامه ويستفيد من إمكاناتها. إن لم يفعل ذلك، يحرم نفسه من خبرة ونشاط قطاع هام من عضويته، ويصبح نظاماً مكلفاً مادياً وبشرياً.

يضع كل تنظيم الضوابط التي تمنح الأقلية (المعارضة مثلاً) نفس فرص النشاط ويتيح لها نفس المنابر والإمكانات المتاحة للأغلبية. فليس للأغلبية الحق في أن تحتكر التنظيم أو تستغله أو تسخر أجهزته لخدمتها دون غيرها من الفئات. وليس من حقها أن تستغل نفوذها في أن تفرض ثقافتها أو قيمها أو معايير سلوكها على الأقلية. إن فعلت ذلك، خلقت جو سخط يهيئ بالضرورة للتشرذم والانقسام ولنمو الشللية الضارة.

الأقلية مهما كان حجمها لها الحق في أن تحتج على ما لا توافق عليه وأن تختلف مع الأغلبية في رأيها دون خوف من عقاب أو حساب. ولها الحق في أن تسعى لإقناع الأغلبية بكل الطرق السلمية المتاحة، على ألا يكون غرضها في أي وقت مصارعة أو مصادمة الآخرين أو التربص بهم أو اغتصاب السلطة بالقوة.

وعلى الأقلية، في نفس الوقت، واجبات هامة عليها أن تراعيها نحو التنظيمات التي تنتمي إليها: أولها، أن تنتقد المشاريع التي تقدمها الأغلبية بأمانة وموضوعية. فقد تنتقد اقتراحات الأغلبية نقداً سلبياً وإن كانت بناءة، وقد تلجأ لتخطئتها وإن كانت صائبة، وقد تتلكأ في تنفيذها أو التقيد بها، وقد لا تكلف نفسها مشقة إيجاد بديل للذي تنتقده في كل الأحوال. ثانيها، يصبح أمراً منافياً للممارسة السليمة أن تنسحب فئة من اجتماع من الاجتماعات، مثلاً، لا لشيء سوى أن الاقتراح الذي طرحته فيه لم ينل موافقة الأغلبية.

بالتالي، كان من المهم أن تفكر الأقلية (والأغلبية أيضاً) جيداً في الطريقة التي تطرح بها أي مشروع من مشاريعها على الناس، لأنها إما أن تجعلهم يميلون إلى الموافقة عليه أو النفور منه ومعارضته. على الأقلية أن تحاول بكل الوسائل المعقولة، وبكل لباقة وكياسة، أن تثير اهتمام الأغلبية (وكل العضوية أو الجمهور عامة) بوجهة نظرها. عليها أن تلجأ للدعاية بين الناس وتثابر في بث دعوتها، فتتضامن مع غيرها فتكون جماعات ضغط وتنشئ منابر تدعو منها لفكرها، وتنظم مسيرات أو مظاهرات إذا أرادت كوسائل مشروعة للتعبير عن الرأي الجماعي وكشكل من أشكال المقاومة المدنية. فالعديد من الأفكار وقضايا الإصلاح بدأتها قلة لم يستمع إليها أحد في بادئ الأمر. وكتب التاريخ مليئة بالأمثلة.

 

Copyright © 2001by Dr. Ahmad Al Safi: Practical Democracy (الديموقراطية العملية). All Rights Reserved
Last modified: April 30, 2003