الهيئات التداولية
أسفل | أعلى | تالي

 

[الصفحة الأولى]
[أعلى]

ما هي الهيئات التداولية؟

الهيئة التداولية هي أي مجموعة من الناس تنطبق عليها قواعد وإجراءات المداولات، وتتميز عن غيرها من التجمعات بضوابط خاصة تكفل للمشاركين فيها، أفراداً وجماعة، حقوقاً وتطلب منهم التزامات معينة. تشمل الهيئات التداولية التي تعنيها وتنطبق عليها قواعد المداولات الأصناف التالية: تنظيمات المجتمع المدني وأجهزة الدولة ومؤسساتها العامة، والاجتماعات العامة، والمكاتب التنفيذية والاجتماعات الجماهيرية والهيئات التشريعية. أما الكيانات والتنظيمات الدينية والعقائدية والمؤسسات المهنية والنظامية فهي تنظيمات تميزت ببعض الخصوصية التي نناقشها في مواضعها المناسبة. أهم مميزات الهيئة التداولية الآتي:

bullet

 أنها مجموعة مستقلة من الأفراد تجتمع بطريقة رسمية لتتداول المسائل بحرية وتقرر فيها بالتصويت نيابة عن مجموعة أكبر.

bullet

 للمجموعة الحجم الذي يجعل من الضروري أن يأخذ اجتماعها شكلاً رسمياً.

bullet

 لكل عضو في المجموعة الحق في أن يعبر عن وجهة نظره، ويساهم في الحوار فيما يطرح فيها من اقتراحات ويساهم بما يشاء من أفكار جديدة، ويقيم الأمور والمواقف بحرية دون خوف أو تأثير أو ضغط عليه من أي جهة، وأن يشارك في اتخاذ القرارات المناسبة بالتصويت، وكل ذلك بالتساوي مع غيره من الأعضاء.

bullet

 أي عضو من أعضاء المجموعة شارك في التصويت على مسألة من المسائل وكان في الجانب الغالب، أخذ على عاتقه المسئولية المباشرة عن القرار.

bullet

 القرار الذي يتخذه اجتماع من اجتماعات المجموعة بالأغلبية المطلوبة بعد حوار مستفيض لا ينفي أو ينسخ وجود الرأي المعارض أو رأي الأقلية.

bullet

 اختلاف أي عضو من أعضاء المجموعة مع الآخرين في قرار ما لا يعني ولا يبرر انسحابه من تلك المجموعة أو من أي اجتماع من اجتماعاتها.

bullet

 وإذا تغيب بعض أعضاء المجموعة عن اجتماع قانوني، كما يحدث في كثير من الأحيان، فإن بقية الأعضاء تتصرف نيابة عن الآخرين لكن بضوابط محددة.

تنظيمات المجتمع المدني

في الدولة المدنية الديموقراطية، ينظم الأفراد أنفسهم طواعية في تنظيمات يقوم كل تنظيم منها على قاعدة من الأعضاء. وتنبثق سلطات هذا التنظيم من هؤلاء الأعضاء ومن اتفاقهم على العمل سوياً، ومن مواد المواثيق التي اتفقوا عليها لتضفي الشرعية على تنظيمهم وتضبط أداءه وهي: عقد التأسيس إذا تسجل التنظيم كمؤسسة، النظام الأساسي، اللائحة الداخلية، والمرجع العام، التي يمكنهم أن يعدلوها أو يبدلوها متى شاءوا. يتحدث أعضاء أي تنظيم من هذه التنظيمات ويتصرفون نيابة عن أنفسهم ولا يمثلون أحداً، ولا تحكمهم أي سلطة خارج أنفسهم، ولهم الحرية في أن يستقيلوا من التنظيم الذي انتموا إليه أو شاركوا في خلقه متى شاءوا وفق ما اتفقوا عليه من ضوابط.

ولكل تنظيم أجهزة تقوم بتنفيذ مهامه وبإدارة شئونه وتعمل على تحقيق أهدافه، وتلتزم بقواعد وإجراءات محددة ومعروفة لدى أعضائه تضبط أداءه وتحكم مساره. تشمل هذه التنظيمات الأحزاب السياسية والاتحادات الفئوية (نسوية، طلابية، شبابية) والجمعيات والروابط الاجتماعية والأدبية والدينية والمهنية، أو النقابات المطلبية، كما تشمل التنظيمات الربحية: الشركات والمؤسسات.

يسعى الأفراد في هذه التنظيمات بالعمل المشترك لتحقيق أهدافاً تعليمية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية أو علمية أو اجتماعية. ويمثلون بذلك قطاعات المجتمع وتخصصاته، ويعبرون عن مصالحه، ويلبون احتياجاته ويساهمون في رفاهيته، ويضعون الحلول النظرية والعملية لمختلف المشاكل التي تواجهه. وبالعمل الجماعي التعاوني العلني يمتن الناس وشائج العلاقات بينهم، ويضمنون لأنفسهم طرق المشاركة في الحياة العامة وفي صياغة خيارات الدولة الكبرى، ويساهمون في ترشيد قرارات السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفي الرقابة على الأداء العام.

وقد صنفت بعض هذه التنظيمات تحت مظلة جماعات المصالح والضغط. وهذه تكتلات (منظمة أو غير منظمة) ربطتها معاً مصالح مشتركة تسعى لتنميتها أو حمايتها بالتأثير على الرأي العام وصانعي القرار مثل الحكومة والمخدم مستعملة لذلك أساليب مختلفة من الإقناع والضغط. تسعى هذه الجماعات بهذه الأساليب إلى التأثير على السياسة العامة أو إلى إصدار أو تعديل قرار أو مرسوم أو قانون بما يخدم مصلحتها. وعلى عكس الأحزاب السياسية، اهتمامات هذه الجماعات في أغلب الأحوال محدودة وقد تقتصر على أغراض فئوية أو محلية مثل التعاونيات، وقد تشمل مجالات تهم المجتمع أو مجالات تتعدى حدود الدولة أحياناً مثل جمعيات حماية البيئة وحقوق الإنسان. تستعمل جماعات الضغط وسائل عديدة لتحقيق أغراضها تلك. فقد تتقدم بعرائض احتجاج على سياسات أو قرارات عامة. وقد تدعو الأفراد المتحمسين أو المنتمين لها لتدبيج الرسائل أو إرسال البرقيات للمسئولين. وقد ترفع وجهات نظرها للجان المعنية بصنع القرار، وقد تطلب أن يسمح لها بأن تشترك في لجان السماع لتثبت رأيها رسمياً في مسألة ما. وقد تلجأ للتظاهر أو الإضراب أو الاحتجاج أو الاعتصام لتوصل بذلك وجهة نظرها للمعنيين.

لا يهمنا في هذا المجال دقة أو صحة تعريف أو توصيف أو تصنيف التنظيمات والجماعات التي أوردناها أعلاه أو البحث في علاقتها بسلطة الدولة أو تتبع وسائلها في العمل بأي درجة أكبر من التفصيل، فهذا الكتاب ليس مجالها. فقد استعمل الباحثون مؤخراً مصطلح (تنظيمات المجتمع المدني) ليشمل هذه التنظيمات وليكون بديلاً لعدد من المصطلحات السائدة مثل (الهيئات التطوعية) و(الخيرية) و(الأهلية) و(التنظيمات غير الحكومية)، الخ، ومقابلاً في نفس الوقت لأجهزة الدولة ومؤسساتها. أما نحن فالذي يهمنا هنا هو أن نشير إلى أنه مهما اختلف الباحثون في تصنيف هذه التنظيمات، ومهما كانت أهدافها أو وسائلها، فإنها لا تخرج من دائرة (الهيئات التداولية) التي ينطبق عليها كل ما ينطبق على الهيئة التداولية من قواعد وإجراءات.

وأمثلة التنظيمات التي يعنيها هذا الكتاب في السودان عديدة، منها: الحزب القومي، واتحاد مزارعي الجزيرة، والتجمع الوطني، وحزب الأمة، والجبهة المعادية للاستعمار، والجبهة القومية الإسلامية، ونقابة عمال مصنع النسيج السوداني والمجلس العام للاتحادات النقابية واتحاد عام نقابات عمال السودان والاتحاد النسائي السوداني واتحاد طلاب جامعة الخرطوم واتحاد أصحاب الحرف الصغيرة ورابطة أبناء حفير مشو ومؤتمر الخريجين والجمعية الأدبية والتعاونية والخيرية والهندسية والغرفة التجارية، الخ. وبالتالي، فإن مصطلح (التنظيم) يعني أي واحد من صنف هذه التنظيمات.

أجهزة الدولة ومؤسساتها

أجهزة الدولة ينشئها القانون ويعطيها السلطات والصلاحيات التي تمكنها من تأدية مهامها. وقد تنشئ الدولة بتشريع أو قانون أو قرار أو أمر تأسيس مؤسسة عامة أو هيئة عامة، وذلك لتحقيق مصلحة عامة من مصالح المواطنين وتعطيها السلطات والصلاحيات اللازمة. لا يعدل أياً من سلطات وصلاحيات هذه المرافق أو المؤسسات أو الهيئات العامة (التي نستعملها كمترادفات فيما يخص انطباق قواعد المداولات عليها) إلا المصدر الذي أنشأها. أما المرافق أو المؤسسات أو الهيئات نفسها فلا تستطيع تعديل سلطاتها أو صلاحياتها إلا إذا أعطتها الجهة التي أنشأتها هذا الحق بنص في القانون، ولا يملك أعضاؤها أي طريقة مباشرة للتحكم في مثل تلك القوانين.

لكل تنظيم من هذه التنظيمات الحق في أن يضع ما يرى من قواعد وإجراءات لتضبط أداء مداولاته على ألا تتعارض هذه القواعد والإجراءات مع نص القانون الذي أنشأه. ولأن هذه التنظيمات تختلف في أنواعها وفي مراكزها وأوضاعها القانونية، قد تختلف أيضاً بعض قواعدها وإجراءاتها عن قواعد وإجراءات المداولات التي تحكم باقي أنواع التنظيمات أو قد تكون مماثلة لها. لكن يتوقع أن تلتزم أجهزة الدولة ومرافقها العامة أكثر من غيرها بحرفية قواعد وإجراءات المداولات التي تحكمها لأن قراراتها تمس مصالح المواطنين مباشرة وتؤثر تأثيراً بعيد المدى على الفرد والمجتمع، مادياً وأخلاقياً.

تجاز الاقتراحات في اجتماعات هذه التنظيمات بالأغلبية، لكن على عكس باقي التنظيمات، لا يستطيع أي واحد منها أن يطلب حجماً أكبر من الأغلبية لإجازة أي قانون أو اقتراح ما لم ينص القانون على ذلك ويحدد حجم الأغلبية المطلوبة، ولا يمكن لأي عضو من أعضائها أن يصوت بالمراسلة أو بالوكالة.

لا يقوم جهاز الدولة أو تقوم المؤسسة أو الهيئة العامة على الفكرة الديموقراطية التي تقضي بأن تدير كل فئة شئونها ذاتياً، بل تقوم على فكرة وظيفية تنشد الكفاءة والفاعلية في إدارة وأداء المرافق العامة. لهذا تكوَّن إدارة المرافق العامة بالتعيين وليس بالانتخاب إلا استثناء. ورغم أن للمرافق العامة حرية إدارة نفسها، إلا أنها تخضع لرقابة ووصاية المؤسسة أو التنظيم الأعلى.

من المفترض أن تكون كل معلومات أجهزة الدولة متاحة للجمهور والإعلام، وعلى هذه الأجهزة يقع عبء التدليل إذا حجبتها. وفي أغلب الأحوال تصنف الدولة أحياناً بعض المعلومات وتحيطها بالسرية خصوصاً إذا تعلقت بأمنها أو خصوصية الأفراد أو الامتيازات التنفيذية. وقد يحدد القانون فترة زمنية من تاريخ بعض الأحداث يشمل أثناءها المعلومات المتعلقة بها بالسرية. وبعد أن ينقضي الأجل الذي حدده القانون تتاح تلك الوثائق لمن يود الاطلاع عليها لأن الخطر المفترض على السياسة العامة وعلى مصلحة وأمن الدولة قد انحسر.

لا يتمتع أي جهاز من أجهزة الدولة بسلطة مراقبة مؤهلات أعضائه أو طريقة انتخابهم، ولا يحق له أن يوقف بغرض التأديب أياً منهم أو يعزله من منصبه. يحدد القانون إجراءات محاسبة أو عزل الموظف العام من عضوية أي جهاز من أجهزة الدولة منتخباً كان أو معيناً. عموماً، يمكن للجهة التي عينت موظفاً عاماً ليشغل منصباً ما في جهاز حكومي أن تعزله في أي وقت ترى. أما الأعضاء الذين ينتخبهم الجهاز فللجهاز الحق في أن يعزلهم بنفس الطريقة التي انتخبهم بها.

على عضو أي جهاز من أجهزة الدولة أن يصوت على كل اقتراح يطرح أمامه، لأن أهم غرض عين أو انتخب لأجله هو واجب تقدير الأمور التي تعرض عليه والمشاركة في صنع القرار. للموظف العام رغم ذلك الحق في ألا يصوت على بعض القرارات خصوصاً تلك التي تتضارب فيها مصالحه مع مصالح الجهاز الذي ينتمي إليه، وبذلك يبعد نفسه عن شبهة استغلال منصبه. يفصل القانون عادة مثل هذه الحالات تنويراً وتحذيراً لأعضاء هذه الأجهزة.

الهيئات التشريعية

تنشأ الهيئة التشريعية (البرلمان، مجلس الشعب، المجلس الوطني، الكونقرس، مجلس الشيوخ، مجلس الأمة)، وفق نصوص الدستور وتتكون عادة من نواب منتخبين عبر اقتراع سري عام. ليمثلوا جملة المواطنين ويقوموا مقامهم بمهام التشريع للدولة ومراقبة أجهزتها التنفيذية ومؤسساتها وغيرها من أعباء نيابة عنهم. ورغم أن الهيئة التشريعية هي أعلى سلطة نيابية، فهي ليست حرة في أن تشرع ما تشاء. الهيئة التشريعية محكومة بنص الدستور وروحه ومقاصده وعلى قاعدة من التراضي. وهناك أيضاً هيئات تشريعية أخرى صغيرة الحجم نسبياً مثل مجالس الولايات والمجالس المحلية والبلدية، لكل منها وظائف تشريعية محددة زيادة على وظائفها الإدارية. قد يكون عضو الهيئة التشريعية منتمياً لحزب أو مستقلاً أو ممثلاً لنقابة أو لأي جهة أخرى أقر القانون تمثيلها. مهما كان شكل تكوين الهيئة التشريعية، تساهم الأحزاب السياسية بأغلب، إن لم يكن كل، أعضائها.

تزيد الأحزاب السياسية من كفاءة أداء الهيئة التشريعية، فهي أداة تنظيم تداول السلطة وممارسة الحكم في الدولة الديموقراطية النيابية. فيفترض أن يكون لكل حزب رؤاه الواضحة وبرامجه المدروسة ووجهات نظره التي يساهم بها في القضايا التي تطرح على الهيئة. فكل حزب سياسي يحاول أن يرسم بأهدافه وبرامجه بل وبطموحاته صورة مثلى للمجتمع والدولة كما يحلم بها ويسعى لتحقيقها، فيتجاوز بأهدافه وطموحاته نصوص نظامه الأساسي وحدود تنظيمه ليضع نظاماً للدولة، ولا يكتفي بعضويته بل يتطلع لقاعدة تشمل كل المواطنين.

أعضاء الهيئة التشريعية متفرغون لأداء مهامهم، ويتقاضون رواتب نظير تفرغهم، وبالتالي عليهم المواظبة على حضور اجتماعات الهيئة والمشاركة في مهامها. وإذا بدر منهم أي تقصير، فتحاسبهم الهيئة نفسها عليه. تضفي الهيئة التشريعية حصانة على أعضائها، وتضمن لهم الحرية فيما يجاهرون به من آراء وأفكار في حدود وظيفتهم النيابية، فلا يساءلون جنائياً أو مدنياً فيما يصدر عنهم من أقوال إلا بعد استئذانها. تستمر دورة انعقاد اجتماع الهيئة التشريعية لعدة شهور متتابعة تعالج أثناءها مسائل عديدة، وتصدر قراراتها - القوانين - بالتداول. ونسبة لطبيعة الهيئات التشريعية وخصوصية أعمالها، قد تحتاج لأن تطور القواعد والإجراءات العامة، موضوع هذا الكتاب، وتفصلها بشكل أدق لتسير بها أعمالها.

الكيانات والتنظيمات الدينية والعقائدية

تقصر بعض الكيانات نشاطها على أهداف وأغراض دينية وروحية صرفة أو تنذر نفسها لتمكين عقيدة. فيقوم بعضها على ولاء لعقيدة دينية أو لطائفة أو لفكر معين، وقد ينشأ بعضها الآخر حول شخصية يكن لها المريدون تقديساً واحتراماً يجعلهم يقبلون بها وينفذون ما يصدر عنها راضين طائعين. هذا الولاء خيار شخصي وحق إنساني كفلته المواثيق الدولية التي تعنى بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد. فعندما ينتمي فرد من الأفراد طائعاً لهذا الكيان أو ذاك يسلم بمرجعيته الفكرية ويقبل بالطريقة التي يدار بها. وقد لعبت بعض هذه الكيانات (الطرق الصوفية على وجه التحديد) دوراً هاماً في صياغة بعض أنماط الحياة الاجتماعية وفي تطوير بعض أشكال التنظيمات وأهمها الأحزاب السياسية.

لا تخضع مثل هذه الكيانات بالضرورة لقواعد المداولات السائدة، ولا تستمد شرعيتها من نفس مصادر شرعية باقي التنظيمات، ولا تخضع بالتالي لمعايير الأغلبية في اتخاذ القرار ولا للإجراءات المعهودة في تداول المناصب. رغم ذلك قد يكون لبعض هذه الكيانات بنية داخلية قوية وشروط صارمة للعضوية وتقاليد وطقوس ثابتة في كيفية تداول الرئاسة والمناصب الهامة وتوزيع الأعباء.

لكن هناك تنظيمات رغم مرجعيتها الدينية أو انتمائها لعقيدة بعينها إلا أنها قامت على قاعدة من العضوية كما يقوم كل تنظيم آخر. فقد اجتمعت هذه العضوية وكونت التنظيم طائعة، أو انضمت إليه بمحض إرادتها، وصاغت وثائقه الحاكمة وارتضتها عقداً بينها. وبهذه الخطوات وبغيرها استوفت هذه التنظيمات شروط الهيئة التداولية وخضعت بالتالي لكل شروطها ولكل قواعد وإجراءات المداولات التي تحكمها.

المؤسسات المهنية والنظامية

المؤسسات النظامية (القوات المسلحة، وقوات الشرطة والأمن) والمؤسسات المهنية تتفرد بقواعدها وإجراءاتها التي تدير بها شئونها. تلتزم أغلب هذه المؤسسات بتسلسل وظيفي تدرجي يوزع الأوامر من القمة للقاعدة بطريقة محكمة. فيتخذ القرار المهني أو العسكري نتيجة تدريب مهني متخصص وفق أسلوب معين يشمل جملة من القواعد والإجراءات.

وطبيعة ومدى التداول عند اتخاذ القرار المهني محدودة وتتبع في الغالب منهجاً غير المنهج المعروف في الاجتماعات التداولية العادية وفي تحديد الأفضلية أو اتخاذ القرار. فاتخاذ القرار المهني فردي، وقد يتسم القرار العسكري بالسرية والقرار الطبي مثلاً بالخصوصية، وبالتالي، يصبح الشخص الذي يتخذ القرار مسئولاً مسئولية كاملة عن نتائجه. فيقيم المسئول عن اتخاذ القرار العسكري الموقف عن طريق تقارير (إيجازات) يرفعها إليه كل من له ضلع في إلقاء الضوء على جوانب المسألة من المرءوسين. قد يعطي الإيجاز المعلومات اللازمة عن المسألة المعروضة، وقد يستعرض الخطط والمواقف المختلفة المتعلقة بها والاستنتاجات التي يراها والمسالك المفتوحة أمام متخذ القرار. على ضوء ما توافر من معلومات وبدائل، يعطي المسئول مجمل خطته وقراراته. فقرار الهجوم أو الانسحاب من ميدان المعركة مثلاً يقع على عاتق القائد العسكري، فهو الذي يتخذه ويتحمل بذلك كل المسئولية. وهو في هذه الحالة يمارس مهنته تماماً كما يمارس الطبيب مهنة الطب. فقد يستشير الطبيب المختصين الآخرين ويجمع المعلومات اللازمة باستجواب المريض والكشف عليه وفحصه قبل أن يصف العلاج.

فعندما يقرر الطبيب أن يتدخل في وقت معين ليجري عملية جراحية لمريضه، يتخذ ذلك القرار بناء على تدريب مهني منتظم وخبرة عملية متخصصة وبعد أن يكون قد استفاد من الخبرة التشخيصية المتوفرة، واستشار الاختصاصيين الآخرين الذين يمكن أن يساعدوه في فهم الحالة. وأي مراجعة أو نقد لمثل هذا القرار الفني، تخضع لضوابط يضعها أعضاء المهنة أنفسهم، وتتعلق بآداب وأخلاقيات المهنة وخصوصية العلاقة بين الطبيب ومريضه. وحالة القائد العسكري لا تختلف كثيراً عن حالة الطبيب أو أي مهني آخر بل تزيد عليها بأن القرار فيها يجب أن يكون موحداً وحاسماً والالتزام به صارماً والسرية فيها مطلقة، فذلك من دواعي الضبط والربط اللازمين لتحقيق النصر. فلا ينشر القادة العسكريون خططهم أو يناقشوها مع القواعد، ولا تنشر قوات الأمن خططها لمحاربة الجريمة للنقاش المفتوح. فسلامة الأداء واحتياطات الأمن تحتم غير ذلك.

 

Copyright © 2001by Dr. Ahmad Al Safi: Practical Democracy (الديموقراطية العملية). All Rights Reserved
Last modified: April 30, 2003